فصل: الإعجاز عند عبد القاهر الجرجاني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل إلى علوم القرآن الكريم



.الإعجاز عند عبد القاهر الجرجاني:

يتميز الجرجاني عن كل من القاضي عبد الجبار وأبي بكر الباقلاني باعتماده على الذوق البياني والفطرة النقية الصافية التي مكنته من استكشاف آفاق جديدة من معاني الإعجاز لم يدركها من كتبوا في الإعجاز في إطار مقاييسهم المنطقية ومعاييرهم الكلامية ونظرتهم الفلسفية، فالإعجاز يدرك بالعقل من خلال مقاييسه الثابتة ويدرك بالفطرة والذوق من خلال اكتشاف آفاق جمالية في النص القرآني.
واعتبر (الملاءمة بين الألفاظ)، هي أساس الفضيلة في البيان العربي، فاللفظة لا تستمد مكانتها من ذاتها، ولو كانت كذلك لتساوى الكتاب والأدباء في مكانتهم، ولكن يقع التفاضل بين هؤلاء بحسب قدرتهم على إيجاد التلاؤم بين اللفظة واللفظة التي تليها، فالكلمة الواحدة قد تكون حسنة في موضع ومستقبحة في موضع آخر، مقبولة في عبارة ومرفوضة في عبارة أخرى، وفرق الجرجاني بين حروف منظومة وكلم منظومة، فنظم الحروف تواليها في النطق ونظم الكلم مراعاة المعاني في النظم وترتيبها بطريقة ملائمة ومعبرة، كالنسج والتأليف والصياغة والبناء والوشي والتحبير، بحيث يكون الوضع والترتيب خاضعا لمعايير وأقيسة ومرجحات بحيث لو تم استبدال هذا الترتيب بغيره لما صح النظم ولما استقام أمره.
وقال في شرح ذلك:
فقد اتضح إذن اتضاحا لا يدع للشك مجالا أن الألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة ولا من حيث هي كلم مفردة، وأن الألفاظ تثبت لها الفضيلة وخلافها في ملاءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها أو ما أشبه ذلك مما لا تعلق له بصريح اللفظ، ومما يشهد لذلك أنك ترى الكلمة تروقك وتؤنسك في موضع ثم تراها بعينها تثقل عليك وتوحشك في موضع آخر.
وقال بعد ذلك:
والفائدة في معرفة هذا الفرق أنك إذا عرفته عرفت أن ليس الغرض بنظم الكلم أن توالت ألفاظها في النطق، بل أن تناسقت دلالتها وتلاقت معانيها على الوجه الذي اقتضاه العقل وكيف يتصور أن يقصد به إلى توالي الألفاظ في النطق بعد أن ثبت أنه نظم يعتبر فيه حال المنظوم بعضه مع بعض، وأنه نظير الصياغة والتحبير والتفويف والنقش وكل ما يقصد به التصوير.
وأكد هذا المعنى بقوله:
(واعلم أنك إذا رجعت إلى نفسك علمت علما لا يعترضه الشك أن لا نظم في الكلم ولا ترتيب حتى يعلق بعضها ببعض ويبنى بعضها على بعض وتجعل هذه بسبب من تلك، هذا ما لا يجهله عاقل ولا يخفى على أحد من الناس).
ثم ختم عبارته بقوله:
(وإذا كان لا يكون في الكلم نظم ولا ترتيب إلا بأن يصنع بها هذا الصنيع ونحوه، وكان ذلك كله مما لا يرجع منه إلى اللفظ شيء ومما لا يتصور أن يكون فيه ومن صفته بان بذلك أن الأمر على ما قلناه من أن اللفظ تبع للمعنى في النظم، وأن الكلم تترتب في النطق بسبب ترتيب معانيها في النفس، وأنها لو خلت من معانيها حتى تتجرد أصواتا وأصداء حروف لما وقع في ضمير ولا هجس في خاطر أن يجب فيها ترتيب ونظم، وأن يجعل لها أمكنة ومنازل، وأن يجب النطق بهذه قبل النطق بتلك).
وتساءل الجرجاني في معرض حديثه عن إعجاز القرآن، ماذا أعجز العرب، هل أعجزهم لفظ القرآن أم أعجزهم معناه، لا شك أن ما أعجز العرب (هو تلاقي اللفظ والمعنى معا)، فلا مجال للإعجاز في لفظ دون معناه، ولا مجال للإعجاز في معنى دون لفظ، فالإعجاز هو نتاج علاقة تكاملية بين اللفظ والمعنى، ولا يمكن تصور الفصاحة في إطار لفظ دون معنى، فالصورة البيانية هي نتاج لفظ معبر ومعنى يجسد الصورة، ويعطي للألفاظ أبعادها وصورها وجمالها، فاللفظة المفردة لا يمكن أن تكون معجزة، لأنها تظل قاتمة صامتة لا تنطق والمعنى العظيم هو الذي ينطق اللفظ ويجعل له لسانا معبرا، وعند ما يتحدث أهل البيان عن الألفاظ الجميلة والألفاظ القلقة والمستكرهة، فإنهم لا يقصدون على وجه التأكيد مجرد اللفظ، فاللفظ لا يمكن وصفه بدقة إلا في إطار ملاءمته لمعناه المراد، وحسن انسجامه مع الألفاظ الأخرى في الجملة الواحدة بحيث يصبح الكلام معبرا أحسن تعبير عن معنى مراد.
وبالرغم من اهتمام الجرجاني بالتلاؤم والانسجام والتوافق بين اللفظ والمعنى فإنه لا يتجاهل أهمية اللفظ، فاللفظ هو الأداة الأولى للتعبير، وهو الجانب الواضح في النظم، وهو معيار ضروري لجودة الكلام وفصاحته وبيانه، فاللفظة تجد مكانها المناسب والمعنى الدقيق يبحث عن لفظ معبر، ولولا ذلك اللفظ لما ظهرت المعاني ولما برزت الفصاحة، فاللفظة تقع في الجملة معبرة مجسدة مصورة مبينة ناطقة، وكأنها تصور المعنى تصويرا، وترسم الملامح بدقة، فتكون أكثر قدرة على التأثير، فلا يستطيع القارئ أو السامع إلا أن يجد فيها المعنى الذي يريد أو تحدثه هي عن المعنى المراد.
وفي مثل هذه المواقف لا يملك الإنسان إلا أن يقف بإعجاب أمام اللفظة المعبرة عن المعنى، وينظر في النظم فيجد التلاؤم والتكافل والتعاهد بين اللفظة واللفظة، وكأن كل لفظة تقود إلى أخرى مجسدة الصورة البيانية، معبرة عن معنى أراده الكلام.

.من هنا بدأ الإعجاز:

إعجاز لفظ معبر مختار وإعجاز معنى عظيم، ويبرز الإعجاز في تلاؤم عجيب بين ذلك النظم والمعنى، بحيث تمتد الأبصار شاخصة مترقبة يقظة، تتابع النظم الدقيق المعجز.
لو رأى العرب كلمة نابية لأمسكوا بها، ولما سمحوا لها بأن تفلت من أيديهم، واحتجوا بها على ما يريدون من الإساءة للقرآن، ولكنهم لم يجدوا في القرآن إلا كل ما يدعوهم للإعجاب به من حيث اللفظ والمعنى، ومن حيث التوافق والتلاؤم.
وقال الجرجاني معبرا عن حسن الملاءمة بين اللفظ والمعنى: (وهل تجد أحدا يقول هذه اللفظة فصيحة إلا وهو يعتبر مكانها في النظم وحسن ملاءمة معناها لمعاني جاراتها وفضل مؤانستها لأخواتها، وهل قالوا لفظة متمكنة ومقبولة وفي خلافه قلقة ونابية ومستكرهة إلا وغرضهم أن يعبروا بالتمكن عن حسن الاتفاق بين هذه وتلك من جهة معناهما وبالقلق والنبو عن سوء التلاؤم).

.كتابات أخرى في الإعجاز:

وبالإضافة إلى هؤلاء الأعلام ممن أفردوا للإعجاز مصنفات مستقلة، وتميزوا بما كتبوه عن الإعجاز بمناهج ثابتة، هناك مجموعة أخرى من العلماء كتبوا في الإعجاز، وأبانوا عن وجوه الإعجاز القرآني، وآراؤهم لا تخرج عن آراء أولئك الأولين من رواد مدارس الإعجاز القرآني.
ولا نهاية للإعجاز، ولذلك تصدى المفسرون لبيان أوجه الإعجاز، وعرف الزمخشري بأنه صاحب مدرسة في الإعجاز، وقد أبرز جوانب الإعجاز ومظاهره من خلال تفسيره للقرآن، ويعتبر كتابه (الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل) من أشهر المؤلفات في علم التفسير، وحرص على أن يبرز جوانب الإعجاز من خلال رصده الذكي لكل وجوه الإعجاز، متعقبا كل آية يجد فيها ذلك الإعجاز، شارحا ذلك مبرزا عظمة النص القرآني، مؤكدا من خلال تفسيره أن القرآن محكم الآيات سديد العبارة جيد التصوير البياني عظيم في أسلوبه البياني رائع في صوره البلاغية لا يضاهى ولا يقارن بما اعتاده العرب من أساليب البيان، فهو أفصح من كل أسلوب وأعلى من كل بيان.
وألف (السيوطي) في إعجاز القرآن، وكتب كتابا سماه (معترك الأقران في إعجاز القرآن)، تحدث فيه عن وجوه الإعجاز، وأوصلها إلى خمسة وثلاثين وجها، وخصص الوجه الأخير للحديث عن مشترك القرآن وجمع في هذا الباب ألفاظا من القرآن وفسرها وبيّن معانيها، واعتمد في ذلك كله على كتب التفسير والحديث واللغة، وقال في بداية كلامه في معرض حديثه عن وجوه الإعجاز أنه لا نهاية لوجوه الإعجاز، ونقل كلامه السكاكي في المفتاح أن إعجاز القرآن يدرك ولا يمكن وصفه كاستقامة الوزن.
ونقل الزركشي عن أبي حيان التوحيدي في البصائر قوله:
لم أسمع كلاما ألصق بالقلب وأعلق بالنفس من فصل تكلم به بندار بن الحسين الفارسي وقد سئل عن موضع الإعجاز من القرآن فقال:
هذه مسألة فيها حيف على المفتي وذلك أنه شبيه بقولك: ما موضع الإنسان من الإنسان؟ فليس للإنسان موضع من الإنسان بل ومتى أشرت إلى جملته فقد حققته، ودللت على ذاته، وكذلك القرآن لشرفه لا يشار إلى شيء منه إلا وكان ذلك المعنى آية في نفسه، ومعجزة لمحاوله، وهدي لقائله، وليس في طاقة البشر الإحاطة بأغراض الله في كلامه وأسراره في كتابه، فلذلك حارت العقول وتاهت البصائر عنده.
وأكد (الزركشي) أن مما يبعث على معرفة الإعجاز اختلاف المقامات وذكر كل شيء في موضعه الملائم، ووضع الألفاظ اللائقة والمناسبة، بحيث لو أبدلت لفظة بأخرى ذهبت تلك الطلاوة وفاتت تلك الحلاوة.
والمقامات لا تدرك إلا بالذوق فالفرق بين الفصيح والأفصح والرشيق والأرشق في الكلام لا يمكن إقامة دليل منطقي عليه، وذكر (ابن أبي الحديد المدائني) صاحب شرح نهج البلاغة أن ذلك بمنزلة جاريتين إحداهما بيضاء مشربة حمرة، دقيقة الشفتين، نقية الشعر، كحلاء العين، أسيلة الخد، دقيقة الأنف، معتدلة القامة، والأخرى دونها في هذه الصفات والمحاسن ولكنها أحلى في العيون والقلوب منها، وأليف وأملح، ولا يدري لأي سبب كان ذلك، ولكن بالذوق والمشاهدة يعرف، ولا يمكن تعليله، وهكذا الكلام.. وإذا كان الجمال الظاهري يدرك بالعين المجردة فإن جمال الكلام لا يدركه إلا أهل البيان، وممن اشتغلوا بهذا الفن من العلوم.

.من وجوه الإعجاز عند السيوطي:

ومن وجوه الإعجاز التي ذكرها (السيوطي) في كتابه الإعجاز ما يلي:
أولا: اشتماله على مختلف العلوم، وبالغ بعضهم في ذلك، واعتبر العلوم المستنبطة من القرآن بقدر حروف القرآن.
ثانيا: حسن تأليفه والتئام كلمه وخصاصتها ووجوه إيجازه وبلاغته الخارقة عادة العرب الذين هم فرسان الكلام وأرباب هذا الشأن فجاء نطقه العجيب وأسلوبه الغريب مخالفا لأساليب كلام العرب ومنهاج نظمها ونثرها الذي جاءت عليه.
ثالثا: احتواؤه على جميع لغات العرب، وقال ابن فارس: لو كان فيه من لغة غير العرب شيء لتوهم متوهم أن العرب إنما عجزت عن الإتيان بمثله، لأنه أتى بلغات لا يعرفونها...
وقال أبو عبيد: إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين، فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول، ومن زعم أن كذا بالنبطية فقد أكبر القول، وقد اهتم علماء اللغة بهذا الموضوع ولا خلاف بينهم في أن القرآن نزل بلسان عربي مبين، وما استعمله القرآن من ألفاظ أعجمية لا يغير من هذه الحقيقة، فهذه الألفاظ سواء كانت عربية صرفة أو استعملت في العربية وشاعت أصبحت في حكم العربية، وجرت مجرى العربي الفصيح، وطالما أن البيان وقع بها، واتضحت معانيها فهي في حكم الألفاظ العربية، ولا عبرة بالبحث عن أصول اللفظة، وهذه الكلمات ذات الأصل العجمي كانت واضحة الدلالة، معبرة عن المعنى المراد، ولو قام مقامها لفظ عربي فصيح لما كان اختارها القرآن، وما اختيرت إلا لإتمام البيان وإكماله، ولو جاءت نشازا في سياق النظر لوضح الأمر وبان، وكما استعمل القرآن كلمات من أصول عجمية قد استعمل ألفاظا من غير لغة الحجاز، كالأرائك والمرجان بلغة أهل اليمن وهناك كلمات كثيرة جاءت في القرآن بلغة كنانة وهذيل وحمير وجرهم وكنده ومزينة واليمامة وجذام وخزاعة وتميم وغيرها من القبائل العربية، وتخصص بعض العلماء في هذا الموضوع وألفوا منه، ومنهم أبو عبيد القاسم بن سلام والواسطي، ونزول القرآن بلغة قريش هو الأغلب، لأن لغة قريش هي الأيسر والألين في النطق فليس فيها الغريب والوحشي الشاق في مجال النطق..
رابعا: تعدد أوجه الخطاب القرآني فالخطاب في القرآن متعدد في أسلوبه بحسب المخاطب وطبيعة الموقف، فهناك خطاب التهكم: {ذق إنك أنت العزيز الكريم} وخطاب الكرامة: {يا أيها النبي} {يا أيها الرسول}، وخطاب التحبب (يا أبت لم تعبد الشيطان)، وخطاب التعجيز (فأتوا بسورة)، وهناك خطاب الجنس البشري وخطاب النوع، والخطاب العام المراد به الخصوص، والخاص المراد به العام، وتعدد الخطاب واضح الدلالة على تحقيق المراد والتأثير في المخاطب، ولا يتصور أن يكون الخطاب القرآني عاما موحدا، فليس هذا من الفصاحة أو البيان: {يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}.
خامسا: استعمال الكناية والتعريض، والكناية أبلغ من الصريح في بعض المواطن، وهي ترك التصريح بالشيء إلى ما يساويه في اللزوم، ويتم اللجوء إلى الكناية لأسباب عدة إما لأن التصريح مما يستقبح ذكره، كاستعمال الملامسة والمباشرة بمعنى الجماع، وكذلك الغشيان والرفث والحرث والمراودة، والغائط والإدبار، أو لقصد المبالغة كاستعمال البسط للدلالة على سعة الجود والكرم، أو لاختيار لفظ أجمل وأدق في التعبير، كالتكنية بالنعجة أو الفرس عن المرأة أو الزوجة، ولابد في اختيار الكناية بدلا من التصريح من مبرر يقصده المتكلم ويريد الإشارة إليه للستر والمدح والذم والاختصار والتيسير والإيضاح، وهذا أسلوب ذكي في التعبير، ولا حدود للكناية، وما تحققه الكناية لا يحققه الصريح من الألفاظ، بل قد يؤدي الصريح إلى جرح المشاعر في بعض الأحيان والإسفاف في اللفظ والسقوط في أوحال الارتباك مما يحرج المتكلم والسامع.
واستعمل القرآن الألفاظ المرادفة للألفاظ الصريحة المعبرة واعتبر هذا من أنواع البديع وهو قريب الشبه بالكناية، وسمي بالإرداف كقوله تعالى: {وَقُضِيَ الْأَمْرُ} أي: انتهى الأمر بهلاك من هلك ونجاة من نجا، ولا مجال بعد ذلك لحوار أو نقاش أو تغيير أو تبديل، والكلمة تدل على معنى الحكم الملزم الذي لا رجعة فيه، وفيه هيبة القرار وسمو الأمر..
واستعمل القرآن التعريض وهو ذكر شيء للدلالة على شيء آخر هو المراد بالكلام، ويختلف عن الكناية من حيث أن الكناية تذكر المراد بلفظ غير لفظه، قال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ}. وهنا تعريض بالفاعل وذم له، وإشارة إلى سوء ما فعل، وكأن الموءودة في موطن القضاء تحاكم من قتلها، وقال تعالى: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا}، إشارة إلى عجز هذه الآلهة عن فعل أي شيء، وسخرية من عقول المؤمنين بها.
سادسا: الإيجاز والإطناب: وهو تأدية المعنى بلفظ أقل أو أكثر بحسب ما يتطلبه المقام، فيستعمل الإيجاز في موطن الاختصار وهو معبر عن التمكن من الفصاحة، وهو مما يستحسن في الكلام، وجوامع الكلم هي الكلمات المختصرة الدالة على معان كثيرة، ويستعمل الإطناب للتأكيد والترسيخ وتوضيح المعنى المراد، سواء بتكرار الكلمة أو زيادة حروف أو تأكيد الكلمة بمصدرها، قال تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (9) وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً}.
والإيجاز من عظمة النص القرآني، واهتم علماء الفصاحة والبيان بمباحث الإيجاز، وقالوا يحسن الحذف في بعض المواطن لقوة الدلالة على المحذوف ولإفساح الفرصة للتأمل والتفكير فيما يفيده الكلام، أو لتركيز الذهن على المطلوب من الكلام لئلا يضيع في زحمة التطويل، ولكي يستقيم الكلام لابد من ترك إشارة تدل على المحذوف، والإيجاز قد يكون عن طريق الحذف وقد يكون بغير حذف، كالإيجاز الجامع وإيجاز القصر، ومن الإيجاز قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ}، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، {يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}، {فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ}، {وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ}، أما إيجاز الحذف فيتم عن طريق اقتطاع بعض أحرف الكلمة أو عن طريق الاكتفاء بأحد المعنيين المتلازمين كقوله تعالى: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ}، وخص الخير بالذكر لأن ذكر الشر ليس من الأدب.